lundi 3 mars 2008

أسماء تعيد حنين الماضي و تثقل كاهل المستقبل

رقية, فطومة, العالية أو علو, أسماء توحي لسامعها بالزمن القديم,معظمها ارتبط معناها بالأبيض و الأسود و بصور أجدادنا, لكن هناك من الآباء من لا يريد لهذه الصور أن يندثر أثرها, يريدها أن تستمر معه مدى حياته,لذا يفضل تسمية أحد أبنائه وفقا لاسم أمه أو أبيه, و اللذان يكونا قد ووريت أجسادهم الثرى بعد انقضاء العمر.

تقول فطومة ذات" 18 سنة طالبة بجامعة الحسن الثاني بالمحمدية" و ملامح الأسى بصمت وجهها الصغير:"توفيت جدتي قبل أشهر قليلة من مولدي, و بما أنني كنت أول مولود في الأسرة آثر والدي أن يسميني على اسم والدته" تتابع فطومة أو بالأحرى "فاطمة الزهراء" اسمها الجديد الذي تفضل أن ينادى عليها به" كنت أحس بالاشمئزاز من اسمي خاصة في الصغر حيث كنت عرضة لسخرية زميلاتي لكن بعد ذلك اخترت تغييره و أصبح الكل يناديني فاطمة الزهراء, و لا أحد من صديقاتي الجديدات يعلمن اسمي الحقيقي"

كانت ولازالت فاطمة الزهراء تحمل سوء اختيار اسمها إلى والدها, الذي تأثر بموت أمه و لم يرد أن تنسى ذكراها.

يقول سمحمد الذي يقف على عتبة اتنتي و خمسين سنة:"لم أضن يوما أن اختياري لأسم ابنتي سيؤثر على حياتها سلبا, كنت متأثرا حينها بفقدان والدتي ولم أكن أريد شيئا سوى أن تستمر ذكراها أمام عيني".

وبينما اختارت فطومة اسما بديلا لاسمها" فاطمة الزهراء" اختارت أيضا علو"22 سنة" تلك الفتاة الهادئة الملامح والتي تدرس التسيير الفندقي إسما بديلا وهو "علية" وبصوت تأرجحت نبراته بين الحزن والسخرية من الاهتمام بالتقاليد البالية تقول:" لا أستطيع التخيل كيف سمح أبي لنفسه أن يطلق علي هذا الاسم مع احترامي لجدتي, لكنه لا يليق بعصرنا و ظروفنا" واستطردت قائلة" ما جدوى أن يتشبث أبي بهذه التفاهات البالية مع العلم أن اسمي الأصلي "علو" مقتصرا على الأوراق الرسمية فقط لأن الكل يناديني ب "علية" "

علامات التعجب هاته لم تختلف عنها عائشة والدة علية, التي أصغت بقلبها قبل عقلها لرغبة زوجها بأن يسمي أول فرحة لها على اسم والدته حيث تقول" صدمت في بادئ الأمر عندما سمعت الاسم, لكني رضخت في الأخير لرغبة زوجي الذي كان مصرا بشكل جنوني على إحياء ذكرى أمه, من خلال إطلاق اسمها على أول مولود لنا"و بنبرات حادة تابعت " لكني اشترطت أن يقتصر هذا الاسم على الأوراق الرسمية فقط وليس للمناداة عليها, فكان ذلك"

لكن رقية لم يحالفها نفس حظ علو, لأنها ظلت ولمدة 28 سنة تعاني سوء اختيار أبيها لاسمها, لم تتجرأ يوما على تغييره أو حتى الاعتراض عليه إلى أن تزوجت, و في هذا الشأن تقول:"منذ أن بدأت أعي وأفهم الأسماء و أنطقها أدركت أن اسمي غير مرحب به وسط أصدقائي, لكن لم يكن بوسعي فعل شيء"وبابتسامة دافئة تتابع القول"الفرج أتى بعد زواجي حيث آثر زوجي و أهله مناداتي برقية مما أدخل البهجة في نفسي"

يرقات يانعات ورقيقات كنسيم الصبح العليل, لا أحد يتخيل أن أسمائهن تشكل عبئا على كاهلهن الصغير, و ثقلا على قلوبهن المرهفة وملامحهن البريئة, رغم اختيارهن لأسماء خفيفة تتماشى والأسماء العصرية المدرجة في وقتنا الحالي, لكن ما عسانا فعله أمام لهفة الآباء و رغبتهم في استمرار صورة آبائهم, رغم أن النسخة لن تحل أبدا مكان الأصل.

نفس قصة فطومة, و سيناريو علو و رقية, ينطبق على تلك الصبية التي تزين ملامح وجهها براءة دافئة كشمس الربيع, وابتسامة تشرق من عينها كطفلة صغيرة لا تعرف المستحيل, تقفز...تلعب ...تفرح, ينادى عليها فتستجيب, بابتسامة تفتح للحزين أبواب الحياة و المرح.

لكن هل ستعمر ابتسامة الكبيرة ذات الثلاث سنوات طويلا؟ أم ستذبل إشراقتها بعد أن يثقل اسمها كاهلها الصغير؟

samedi 12 janvier 2008

زوجات مع وقف التنفيذ

"لا تعتادي يا ابنتي على العيش رفقة زوجك"

" كلمات لم أستوعب معناها إلا وأنا أستيقظ ذات يوم على توضيب زوجي حقيبته, للعودة إلى إيطاليا موطنه الثاني".

عبارات حجبت الابتسامة والفرح عن محيا نجاة ورسمت مكانهما الحزن والأسى, نجاة ذات 16 ربيعا لم تتمكن يوما من اجتياز عتبة المدرسة, ولا الجلوس في الصفوف الأولى كما تمنت دوما, وذلك لأسباب حصرتها في عدم قدرة أبيها على تحمل مصاريف الدراسة, لترسم لها الحياة طريقا آخر سلكه قبلها أخواتها, وبعض من بنات دوار سيدي بن داود بإقليم سطات, وهو الزواج بابن القبيلة العائد من بلاد "الأورو" .

لكن هل سيكون هذا الزواج بمثابة فجوة أمل تحققن الفتيات من خلاله جزءا من أحلامهن, أم هو قيد أبدي فرضته الحياة على واقعهن المعاش؟

بين صرخات يوسف الرضيع الذي يسعى إلى إشباع معدته الصغيرة من قطرات حليب أمه, وبين الخبرة المحتشمة للأم في تربية الأطفال, تحاول نجاة أن تطرد من رأسها تفاصيل يوم المخاض, لكن بدون جدوى حيث تقول:"لم أتوقع أن أول مولود لي سيرى النور بعيدا عن أبيه, فزوجي لم يحضر مراحل الحمل ولا حتى الولادة, إلى أن بلغ يوسف 4 أشهر" مضيفة القول:" الآن بدأت أستوعب نصيحة أمي, لكن بعدما فات الأوان".

رغم الحمل و المسؤولية اللذان يثقلان كاهل نجاة, إلا أنها تعلم جيدا أنها مطالبة بتربية ابنها الرضيع, وتعلم أيضا أن حلمها في الوصول إلى الضفة الأخرى رفقة زوجها من المستحيلات, لأنه شرط وافقت على تنفيذه أمام القبيلة.

في المقابل لم تكن تعلم عائشة 28 سنة, تلك الفتات المدينية, الشقراء الفارهة الطول, أن زوجها سيخلف وعده قائلة:"لم يوافق أبي في البداية على محمد بحكم أنه من العروبية, لكن بعدما أكد لنا أنه سيصحبني وإياه إلى إيطاليا, وافق أبي وتم بذلك الزواج", وبنبرات ملئها التحسر الممزوج بخيبة الأمل تضيف:" صدمت عندما رفض زوجي مرافقتي له إلى إيطاليا, مقترحا أن أعيش رفقة أخيه الذي تكلف فيما بعد برعايتي وأبنائي".

و كإجابة عن السبب وراء امتناع الأزواج اصطحاب زوجاتهم إلى المهجر, يقول محمد زوج عائشة 40 سنة:"مصاريف العيش في الغربة مرتفعة بالمقارنة و إيطاليا خاصة أن معظمنا مطالب بتحمل مصاريف أبويه المرفقة بمصاريف الأرض والماشية وكذا أسرته الصغيرة" مضيفا القول:" أنا الآن أعيش في شقة أقتسم سومتها الكرائية مع أربعة أصدقاء لي بغية اختزال المصاريف قدر الإمكان, و لا تضني أني سعيد بفراق أسرتي عني".

في حين أن مصطفى يرجع السبب بالإضافة إلى غلاء المعيشة بإيطاليا, إلى عدم ارتياحه للتربية التي يتلقاه أبناء الوطن هناك حيث يقول:" أفضل أن يعيش أبنائي بعيدا عني, إذا كان المقابل أن يحصلوا على تربية قويمة لن يجدوها هنا" مستطردا القول:"ولو أني أندم في بعض الأحيان على قراري هذا, حين أجد أن أبنائي غير متعودين علي".

أكيد أن غلاء المعيشة و سوء التربية دافعان مهمان لإقناع الزوجة في مرحلة ما, بعدم اصطحابها للمهجر رفقة زوجها, لكن المؤكد أن تحملها فراق زوجها لا يمكن أن يدوم مدى الحياة, خاصة وأننا في عصر يستوجب تواجد الأب والأم في حياة الأبناء للسير قدما بسفينة الأسرة.

بهيجة 20 سنة الطفلة الأم, صاحبة الابتسامة الدائمة, رغم عنائها وشقائها في تربية ثلاثة أطفال, إلا أنها لزالت متفائلة بالحياة, تقول:" حياتي أينما كانوا أبنائي, اعتدت العيش دون أمي وأبي, و تمكنت كذلك من العيش بعيدا عن زوجي, لكن لا أستطيع مجرد التفكير في العيش بعيدا عن أحد من أبنائي" وبأسى نظرت إلى كبرى أطفالها فاطمة الزهراء 4 سنوات, والتي كانت جالسة بجانبها مضيفة القول:" لن يفرقني وإياهم سوى الموت", بإتمام بهيجة كلامها, جذبتني فرحة بريئة في أعين فاطمة الزهراء, وبريق لامع يكاد ينافس بريق لؤلؤة الزمرد, و بخطوات سريعة تسابق الريح مرت من جانبي متناسية كل الحظور, مركزة أعينها على شخص بعيد عنا, بدت ملامحه غامضة ومجهولة لدي, و ازدادت غموضا وحيرة حين قالت بفرح:" با جا با جا", ليتضح لي فيما بعد أنه عمها.