samedi 12 janvier 2008

زوجات مع وقف التنفيذ

"لا تعتادي يا ابنتي على العيش رفقة زوجك"

" كلمات لم أستوعب معناها إلا وأنا أستيقظ ذات يوم على توضيب زوجي حقيبته, للعودة إلى إيطاليا موطنه الثاني".

عبارات حجبت الابتسامة والفرح عن محيا نجاة ورسمت مكانهما الحزن والأسى, نجاة ذات 16 ربيعا لم تتمكن يوما من اجتياز عتبة المدرسة, ولا الجلوس في الصفوف الأولى كما تمنت دوما, وذلك لأسباب حصرتها في عدم قدرة أبيها على تحمل مصاريف الدراسة, لترسم لها الحياة طريقا آخر سلكه قبلها أخواتها, وبعض من بنات دوار سيدي بن داود بإقليم سطات, وهو الزواج بابن القبيلة العائد من بلاد "الأورو" .

لكن هل سيكون هذا الزواج بمثابة فجوة أمل تحققن الفتيات من خلاله جزءا من أحلامهن, أم هو قيد أبدي فرضته الحياة على واقعهن المعاش؟

بين صرخات يوسف الرضيع الذي يسعى إلى إشباع معدته الصغيرة من قطرات حليب أمه, وبين الخبرة المحتشمة للأم في تربية الأطفال, تحاول نجاة أن تطرد من رأسها تفاصيل يوم المخاض, لكن بدون جدوى حيث تقول:"لم أتوقع أن أول مولود لي سيرى النور بعيدا عن أبيه, فزوجي لم يحضر مراحل الحمل ولا حتى الولادة, إلى أن بلغ يوسف 4 أشهر" مضيفة القول:" الآن بدأت أستوعب نصيحة أمي, لكن بعدما فات الأوان".

رغم الحمل و المسؤولية اللذان يثقلان كاهل نجاة, إلا أنها تعلم جيدا أنها مطالبة بتربية ابنها الرضيع, وتعلم أيضا أن حلمها في الوصول إلى الضفة الأخرى رفقة زوجها من المستحيلات, لأنه شرط وافقت على تنفيذه أمام القبيلة.

في المقابل لم تكن تعلم عائشة 28 سنة, تلك الفتات المدينية, الشقراء الفارهة الطول, أن زوجها سيخلف وعده قائلة:"لم يوافق أبي في البداية على محمد بحكم أنه من العروبية, لكن بعدما أكد لنا أنه سيصحبني وإياه إلى إيطاليا, وافق أبي وتم بذلك الزواج", وبنبرات ملئها التحسر الممزوج بخيبة الأمل تضيف:" صدمت عندما رفض زوجي مرافقتي له إلى إيطاليا, مقترحا أن أعيش رفقة أخيه الذي تكلف فيما بعد برعايتي وأبنائي".

و كإجابة عن السبب وراء امتناع الأزواج اصطحاب زوجاتهم إلى المهجر, يقول محمد زوج عائشة 40 سنة:"مصاريف العيش في الغربة مرتفعة بالمقارنة و إيطاليا خاصة أن معظمنا مطالب بتحمل مصاريف أبويه المرفقة بمصاريف الأرض والماشية وكذا أسرته الصغيرة" مضيفا القول:" أنا الآن أعيش في شقة أقتسم سومتها الكرائية مع أربعة أصدقاء لي بغية اختزال المصاريف قدر الإمكان, و لا تضني أني سعيد بفراق أسرتي عني".

في حين أن مصطفى يرجع السبب بالإضافة إلى غلاء المعيشة بإيطاليا, إلى عدم ارتياحه للتربية التي يتلقاه أبناء الوطن هناك حيث يقول:" أفضل أن يعيش أبنائي بعيدا عني, إذا كان المقابل أن يحصلوا على تربية قويمة لن يجدوها هنا" مستطردا القول:"ولو أني أندم في بعض الأحيان على قراري هذا, حين أجد أن أبنائي غير متعودين علي".

أكيد أن غلاء المعيشة و سوء التربية دافعان مهمان لإقناع الزوجة في مرحلة ما, بعدم اصطحابها للمهجر رفقة زوجها, لكن المؤكد أن تحملها فراق زوجها لا يمكن أن يدوم مدى الحياة, خاصة وأننا في عصر يستوجب تواجد الأب والأم في حياة الأبناء للسير قدما بسفينة الأسرة.

بهيجة 20 سنة الطفلة الأم, صاحبة الابتسامة الدائمة, رغم عنائها وشقائها في تربية ثلاثة أطفال, إلا أنها لزالت متفائلة بالحياة, تقول:" حياتي أينما كانوا أبنائي, اعتدت العيش دون أمي وأبي, و تمكنت كذلك من العيش بعيدا عن زوجي, لكن لا أستطيع مجرد التفكير في العيش بعيدا عن أحد من أبنائي" وبأسى نظرت إلى كبرى أطفالها فاطمة الزهراء 4 سنوات, والتي كانت جالسة بجانبها مضيفة القول:" لن يفرقني وإياهم سوى الموت", بإتمام بهيجة كلامها, جذبتني فرحة بريئة في أعين فاطمة الزهراء, وبريق لامع يكاد ينافس بريق لؤلؤة الزمرد, و بخطوات سريعة تسابق الريح مرت من جانبي متناسية كل الحظور, مركزة أعينها على شخص بعيد عنا, بدت ملامحه غامضة ومجهولة لدي, و ازدادت غموضا وحيرة حين قالت بفرح:" با جا با جا", ليتضح لي فيما بعد أنه عمها.