jeudi 26 février 2009



معاناة صامتة أبطالها أطفال الأطلس

كل من يقطن بالمدن الكبرى أو ينتمي إلى المناطق الحضارية, لن يتبادر إلى ذهنه أنه على نفس الأرض التي يعيش فوق ترابها, هناك أطفال على غرار الذين يقابلهم كل يوم, أطفال لا يعرفون معنى الملاهي...ماكدونالدز...البلاي ستايشن...الانترنيت...المثلجات...

لأنه و ببساطة, فأطفال بلدة تونفيت الرابضة بين جبل المعسكر جنوبا, و جبل القرص شمالا بالأطلس الكبير, لا يعرفون سوى هاته الجبال, التي تشكل حاجزا يعزلهم عن العالم الخارجي. جبال تمنع منطقتهم من التوفر على البنى التحتية, و المرافق اللازمة, ليعيشوا سنهم مثلهم مثل الآخرين.

لكنهم يعرفون طريقا واحدا, و هو الطريق الرابطة بين المنزل و المدرسة, هذه الأخيرة التي تعتبر على الأقل المتنفس الوحيد لهم, لتغيير الروتين اليومي, رغم أنها لا ترقى للتطلعات.

"والأستاذ ماكافيهش ظهورنا اللي تقسمو بالكتوبا الكثار, زادنا حتى الحطب اللي إجباري نجيبوه معانا"

كلمات انسحبت بحسرة و تلقائية غير مقصودة من شفاه جافة و مشققة جراء الصقيع, لصبي في ربيعه الثامن يدعى الغالي, و الذي تقوس ظهره في ريعان صباه و أصبحت يداه خشنة بلمس و حمل الحطب, و كأن علامات الشيخوخة بدأت تطرق بابه.

صوب "مدرسة تونفيت 2 " القابعة فوق هضبة تابعة لجبال الأطلس, تلمح الأطفال يسارعون بخطوات تثقلها رزمة الكتب المحملة على ظهورهم, و أعواد الحطب المجبرين على حملها لتدفئتهم, هذه المدرسة التي يتبادر إلى ذهن كل من يراها أنها خرابة من مخلفات زمن الاستعمار, بجدرانها المتشققة, و سقفها الآيل للسقوط, و مراحيضها التي لم يبقى منها سوى الاسم, ناهيك عن غياب شيء إسمه النظافة.

يقول محمد ذو 10 سنوات, بمرارة محزنة تثير الاستغراب إذا ما قارناها بصغر سنه و قصر قامته" نحن لا ندرس بمؤسسة تعليمية بل بزريبة, تنبعث منها روائح تزكم الأنوف, و كأننا قطيع غنم ليس من حقه الاعتراض"

لم تتوان عينا محمد عن فضح معاناته و رفاقه, الذين همهم الوحيد هو أن تتوفر لهم أدنى وسائل العيش و الدراسة.

هناك, في زاوية القسم, و بجانب السبورة, احتلت آلة التدفئة مكان مكتب المعلم, ولم تترك سوى كرسي خشبي يجلس عليه إذا ما تعب, و رماد, و حجر, و ألواح خشبية, هذه الأخيرة التي يصر المدير دائما على التلاميذ أن يجلبوها معهم للتدفئة.

و في هذا الصدد يقول النصري الحبيب مدير"مدرسة تونفيت 2" "المدرسة تتوفر على بنيات تحتية مهترئة, و يظهر ذلك خاصة في فصل الشتاء حيث لا تتوفر لنا وسائل التدفئة مما يجعلنا نجبر الأطفال على جلب الحطب معهم, كما أن المدرسة لا تتوفر على ملعب لممارسة الرياضة مع العلم أن مساحتها كبيرة "

و يضيف القول بأسى "هذه السنة تفاجئنا في وقت مبكر من النهار بتساقطات ثلجية كثيفة, و موجة برد قارس لم نشهدها من قبل, الأمر الذي أرعب التلاميذ, اللذين يفضلون عدم الالتحاق بالمدرسة في مثل هذه الظروف خاصة إذا تعلق الأمر بالفتيات, التساقطات الثلجية ترغمنا غالبا على تغيير برمجة الاستعمال الزمني حماية للأطفال و الأساتذة"

الهدر المدرسي, و انعدام البنيات التحتية لفضاء يشجع على الدراسة, ليست المشاكل الوحيدة التي يعانيها أطفال منطقة تونفيت, لأن الملاحظ عند التحدث مع الأطفال هو خجل كلماتهم من اختراق أسنانهم المرتعشة بالبرد, و شفاههم الجافة بفعل الصقيع الطاغي على المنطقة.

و رغم أطرافهم المتجمدة, و جسمهم الشبه عار, و معاناتهم السعال و الزكام, إلا أنهم يستقبلون ضيوفهم من وراء أسوار منازلهم الطينية, بابتسامة بريئة تجعلك تضن أنهم في قمة المرح.

أمام أحد المنازل يلعب نبيل البالغ من العمر 12 سنة رفقة أصدقائه من أولاد الجيران, يضحكون...يدفعون بعضهم البعض... يلعبون الكرة, بعضهم حفاة و البعض الآخر منتعل أحذية بلاستيكية بدون جوارب, أحذية تستقبل صفعات البرد بصدر رحب... يركضون صوب المجهول... في حين أن بساط الثلج ينتظرهم بشغف ليصنعوا منه رجل الثلج المعفى من البحث عن الحطب و الغير معني أيضا بالدراسة.

و في هذا الصدد يقول نبيل" نحن لا نحب الثلج لأنه يجعلنا نحتجز داخل بيوتنا, كما أنه يمنع آبائنا من جلب المؤونة" مستطردا القول " عند ما تتساقط الثلوج نعيش على الخبز و الشاي ونعاني البرد لأن الحطب يرتفع سعره ليصل إلة 100 درهم للرزمة "

الواضح أن رجل الثلج ضيف غير مرغوب فيه بين أطفال تونفيت, لينتقل بذلك اللون الأبيض من لون الحياة و الفرح لدى أطفال المدن الكبرى, إلى لون الكفن و الموت لدى أطفال جبال الأطلس, الذين لا يطلبون أكثر من رزمة حطب, وقفازات تجلب بعض الدفئ, و خبز و شاي للبقاء على قيد الحياة, تفاديا الالتحاق بإخوانهم الذين حصدهم الموت في "فاجعة أنفكو" و مناطق أخرى كتغدوين و أنمزي و ترجيس... هذه الفاجعة التي إلى حدود الساعة حصيلتها الرسمية لزالت حبيسة التكتم, حيث أعلن فقط عن تجاوز الضحايا ل 35 طفلا و رضيعا سنة 2007.

lundi 3 mars 2008

أسماء تعيد حنين الماضي و تثقل كاهل المستقبل

رقية, فطومة, العالية أو علو, أسماء توحي لسامعها بالزمن القديم,معظمها ارتبط معناها بالأبيض و الأسود و بصور أجدادنا, لكن هناك من الآباء من لا يريد لهذه الصور أن يندثر أثرها, يريدها أن تستمر معه مدى حياته,لذا يفضل تسمية أحد أبنائه وفقا لاسم أمه أو أبيه, و اللذان يكونا قد ووريت أجسادهم الثرى بعد انقضاء العمر.

تقول فطومة ذات" 18 سنة طالبة بجامعة الحسن الثاني بالمحمدية" و ملامح الأسى بصمت وجهها الصغير:"توفيت جدتي قبل أشهر قليلة من مولدي, و بما أنني كنت أول مولود في الأسرة آثر والدي أن يسميني على اسم والدته" تتابع فطومة أو بالأحرى "فاطمة الزهراء" اسمها الجديد الذي تفضل أن ينادى عليها به" كنت أحس بالاشمئزاز من اسمي خاصة في الصغر حيث كنت عرضة لسخرية زميلاتي لكن بعد ذلك اخترت تغييره و أصبح الكل يناديني فاطمة الزهراء, و لا أحد من صديقاتي الجديدات يعلمن اسمي الحقيقي"

كانت ولازالت فاطمة الزهراء تحمل سوء اختيار اسمها إلى والدها, الذي تأثر بموت أمه و لم يرد أن تنسى ذكراها.

يقول سمحمد الذي يقف على عتبة اتنتي و خمسين سنة:"لم أضن يوما أن اختياري لأسم ابنتي سيؤثر على حياتها سلبا, كنت متأثرا حينها بفقدان والدتي ولم أكن أريد شيئا سوى أن تستمر ذكراها أمام عيني".

وبينما اختارت فطومة اسما بديلا لاسمها" فاطمة الزهراء" اختارت أيضا علو"22 سنة" تلك الفتاة الهادئة الملامح والتي تدرس التسيير الفندقي إسما بديلا وهو "علية" وبصوت تأرجحت نبراته بين الحزن والسخرية من الاهتمام بالتقاليد البالية تقول:" لا أستطيع التخيل كيف سمح أبي لنفسه أن يطلق علي هذا الاسم مع احترامي لجدتي, لكنه لا يليق بعصرنا و ظروفنا" واستطردت قائلة" ما جدوى أن يتشبث أبي بهذه التفاهات البالية مع العلم أن اسمي الأصلي "علو" مقتصرا على الأوراق الرسمية فقط لأن الكل يناديني ب "علية" "

علامات التعجب هاته لم تختلف عنها عائشة والدة علية, التي أصغت بقلبها قبل عقلها لرغبة زوجها بأن يسمي أول فرحة لها على اسم والدته حيث تقول" صدمت في بادئ الأمر عندما سمعت الاسم, لكني رضخت في الأخير لرغبة زوجي الذي كان مصرا بشكل جنوني على إحياء ذكرى أمه, من خلال إطلاق اسمها على أول مولود لنا"و بنبرات حادة تابعت " لكني اشترطت أن يقتصر هذا الاسم على الأوراق الرسمية فقط وليس للمناداة عليها, فكان ذلك"

لكن رقية لم يحالفها نفس حظ علو, لأنها ظلت ولمدة 28 سنة تعاني سوء اختيار أبيها لاسمها, لم تتجرأ يوما على تغييره أو حتى الاعتراض عليه إلى أن تزوجت, و في هذا الشأن تقول:"منذ أن بدأت أعي وأفهم الأسماء و أنطقها أدركت أن اسمي غير مرحب به وسط أصدقائي, لكن لم يكن بوسعي فعل شيء"وبابتسامة دافئة تتابع القول"الفرج أتى بعد زواجي حيث آثر زوجي و أهله مناداتي برقية مما أدخل البهجة في نفسي"

يرقات يانعات ورقيقات كنسيم الصبح العليل, لا أحد يتخيل أن أسمائهن تشكل عبئا على كاهلهن الصغير, و ثقلا على قلوبهن المرهفة وملامحهن البريئة, رغم اختيارهن لأسماء خفيفة تتماشى والأسماء العصرية المدرجة في وقتنا الحالي, لكن ما عسانا فعله أمام لهفة الآباء و رغبتهم في استمرار صورة آبائهم, رغم أن النسخة لن تحل أبدا مكان الأصل.

نفس قصة فطومة, و سيناريو علو و رقية, ينطبق على تلك الصبية التي تزين ملامح وجهها براءة دافئة كشمس الربيع, وابتسامة تشرق من عينها كطفلة صغيرة لا تعرف المستحيل, تقفز...تلعب ...تفرح, ينادى عليها فتستجيب, بابتسامة تفتح للحزين أبواب الحياة و المرح.

لكن هل ستعمر ابتسامة الكبيرة ذات الثلاث سنوات طويلا؟ أم ستذبل إشراقتها بعد أن يثقل اسمها كاهلها الصغير؟

samedi 12 janvier 2008

زوجات مع وقف التنفيذ

"لا تعتادي يا ابنتي على العيش رفقة زوجك"

" كلمات لم أستوعب معناها إلا وأنا أستيقظ ذات يوم على توضيب زوجي حقيبته, للعودة إلى إيطاليا موطنه الثاني".

عبارات حجبت الابتسامة والفرح عن محيا نجاة ورسمت مكانهما الحزن والأسى, نجاة ذات 16 ربيعا لم تتمكن يوما من اجتياز عتبة المدرسة, ولا الجلوس في الصفوف الأولى كما تمنت دوما, وذلك لأسباب حصرتها في عدم قدرة أبيها على تحمل مصاريف الدراسة, لترسم لها الحياة طريقا آخر سلكه قبلها أخواتها, وبعض من بنات دوار سيدي بن داود بإقليم سطات, وهو الزواج بابن القبيلة العائد من بلاد "الأورو" .

لكن هل سيكون هذا الزواج بمثابة فجوة أمل تحققن الفتيات من خلاله جزءا من أحلامهن, أم هو قيد أبدي فرضته الحياة على واقعهن المعاش؟

بين صرخات يوسف الرضيع الذي يسعى إلى إشباع معدته الصغيرة من قطرات حليب أمه, وبين الخبرة المحتشمة للأم في تربية الأطفال, تحاول نجاة أن تطرد من رأسها تفاصيل يوم المخاض, لكن بدون جدوى حيث تقول:"لم أتوقع أن أول مولود لي سيرى النور بعيدا عن أبيه, فزوجي لم يحضر مراحل الحمل ولا حتى الولادة, إلى أن بلغ يوسف 4 أشهر" مضيفة القول:" الآن بدأت أستوعب نصيحة أمي, لكن بعدما فات الأوان".

رغم الحمل و المسؤولية اللذان يثقلان كاهل نجاة, إلا أنها تعلم جيدا أنها مطالبة بتربية ابنها الرضيع, وتعلم أيضا أن حلمها في الوصول إلى الضفة الأخرى رفقة زوجها من المستحيلات, لأنه شرط وافقت على تنفيذه أمام القبيلة.

في المقابل لم تكن تعلم عائشة 28 سنة, تلك الفتات المدينية, الشقراء الفارهة الطول, أن زوجها سيخلف وعده قائلة:"لم يوافق أبي في البداية على محمد بحكم أنه من العروبية, لكن بعدما أكد لنا أنه سيصحبني وإياه إلى إيطاليا, وافق أبي وتم بذلك الزواج", وبنبرات ملئها التحسر الممزوج بخيبة الأمل تضيف:" صدمت عندما رفض زوجي مرافقتي له إلى إيطاليا, مقترحا أن أعيش رفقة أخيه الذي تكلف فيما بعد برعايتي وأبنائي".

و كإجابة عن السبب وراء امتناع الأزواج اصطحاب زوجاتهم إلى المهجر, يقول محمد زوج عائشة 40 سنة:"مصاريف العيش في الغربة مرتفعة بالمقارنة و إيطاليا خاصة أن معظمنا مطالب بتحمل مصاريف أبويه المرفقة بمصاريف الأرض والماشية وكذا أسرته الصغيرة" مضيفا القول:" أنا الآن أعيش في شقة أقتسم سومتها الكرائية مع أربعة أصدقاء لي بغية اختزال المصاريف قدر الإمكان, و لا تضني أني سعيد بفراق أسرتي عني".

في حين أن مصطفى يرجع السبب بالإضافة إلى غلاء المعيشة بإيطاليا, إلى عدم ارتياحه للتربية التي يتلقاه أبناء الوطن هناك حيث يقول:" أفضل أن يعيش أبنائي بعيدا عني, إذا كان المقابل أن يحصلوا على تربية قويمة لن يجدوها هنا" مستطردا القول:"ولو أني أندم في بعض الأحيان على قراري هذا, حين أجد أن أبنائي غير متعودين علي".

أكيد أن غلاء المعيشة و سوء التربية دافعان مهمان لإقناع الزوجة في مرحلة ما, بعدم اصطحابها للمهجر رفقة زوجها, لكن المؤكد أن تحملها فراق زوجها لا يمكن أن يدوم مدى الحياة, خاصة وأننا في عصر يستوجب تواجد الأب والأم في حياة الأبناء للسير قدما بسفينة الأسرة.

بهيجة 20 سنة الطفلة الأم, صاحبة الابتسامة الدائمة, رغم عنائها وشقائها في تربية ثلاثة أطفال, إلا أنها لزالت متفائلة بالحياة, تقول:" حياتي أينما كانوا أبنائي, اعتدت العيش دون أمي وأبي, و تمكنت كذلك من العيش بعيدا عن زوجي, لكن لا أستطيع مجرد التفكير في العيش بعيدا عن أحد من أبنائي" وبأسى نظرت إلى كبرى أطفالها فاطمة الزهراء 4 سنوات, والتي كانت جالسة بجانبها مضيفة القول:" لن يفرقني وإياهم سوى الموت", بإتمام بهيجة كلامها, جذبتني فرحة بريئة في أعين فاطمة الزهراء, وبريق لامع يكاد ينافس بريق لؤلؤة الزمرد, و بخطوات سريعة تسابق الريح مرت من جانبي متناسية كل الحظور, مركزة أعينها على شخص بعيد عنا, بدت ملامحه غامضة ومجهولة لدي, و ازدادت غموضا وحيرة حين قالت بفرح:" با جا با جا", ليتضح لي فيما بعد أنه عمها.

samedi 14 juillet 2007

شبح الغش في الصيف

في كل صيف, تزداد لهفة الناس إلى تكسير روتين السنة من دراسة وعمل شاق يولي ظهره بداية من 21 يونيو, لتبدأ لعبة شد الحبل بين لهفة المواطنين, ورغبتهم الجامحة في قضاء عطلة مريحة, وبين غلاء المواد الاستهلاكية والشرائية, فالصيف كما هو معروف, جهنم, ليس من حيث أشعة الشمس أو ارتفاع سعر المواد, بل هو جهنم تعمي بصيرة المستهلك, الذي يستغني في هذا الوقت من السنة عن خدمات المطبخ المنزلي, ليتجه صوب المأكولات الخفيفة والسريعة, لاغيا بذلك تفكيره في السؤال عن مدى سلامة هذا المنتوج وسلامته من مختلف أشكال الغش والتدليس, خاصة وأنه بحلول الصيف تكثر الجراثيم والحشرات, وتتعرض الماد الاستهلاكية للتلف, فمثلا إذا نظرنا من زاوية الأعراس, التي تعرف ازدهارا ملحوظا طيلة فصل الصيف, نجد أن أصحابها أصبحوا يوكلون مهمة إقامة العرس إلى منظم للحفلات, الذي بدوره يسهر على كل ما يتعلق بالتحضيرات, بما فيها الأكل, لينجلي التراب عن نوع جديد من أنواع شبح الغش, تقول (أمينة خ) وهي فتاة في ربيعها العشرين, تشتغل مستخدمة لدى منظم للحفلات, إنه

"في خضم الحرارة المفرطة, التي يعرفها الصيف, تتعرض الفواكه للتلف, ولكن مع ذلك نظطر مجبرين إلى استعمالها كمشروبات باردة للضيوف, وبالطبع يكون كل شيء في سرية تامة".

هذا من جهة, ومن جهة أخرى يبرر بعض أصحاب المطاعم لأنفسهم هذه العمليات بكثرة الطلب على المأكولات السريعة, يقول عبد الله( 40 سنة), وهو صاحب مطعم, أن " فصل الصيف يعرف إقبالا ملحوظا من طرف المستهلك على المأكولات السريعة, عكس الأيام العادية, التي يمكن القول إننا نعيش خلالها حالة من الركود في العمل, لذا فالصيف فرصة يجب استغلالها بشتى الأشكال لتعويض ذلك الركود", جمود وركود يسعى أصحاب المطاعم إلى تعويضه في الصيف حتى ولو كان على حساب المستهلك نفسه, ليفتح باب الأسئلة المتراكمة في ذهن كل من يهمه الأمر, من بينها: أين المسؤولون؟ أين المراقبون؟ أين وأين...؟؟؟

تحكي خديجة(35 سنة), وهي ربة بيت, بنبرة استياء", أنا لا أحب تناول المأكولات السريعة, فالمرأة كعادتها تحب أكل ما تنتجه يداها, لكن أضطر في فترات السفر إلى الركوع أمام شبح هذه المأكولات, لأن الوقت لا يرحم, ويجب أن أستغل العطلة جيدا, ونتيجة لذلك أصيب أحد أبنائي بالتسمم السنة الماضية".

ويقول صلاح الدين(24سنة) وهو طالب جامعي, إنه "بحكم ابتعاد الجامعة عن البيت, أجبر يوميا على تناول الوجبات السريعة, ما تسبب في مرض جهازي الهضمي, لاحتواء هذه الأغذية على مواد غير ملائمة للجسد".

وإذا كان أصحاب المطاعم يحملون المسؤولية إلى ارتفاع الطلب, ومنظمو الحفلات إلى ارتفاع الحرارة, فإن المستهلك يبقى دائما وكالعادة هو الضحية, يِؤدي ثمن انحراف الغشاشين.

vendredi 29 juin 2007

الجيل الثالث بين دوامة الأصالة والمعاصرة

تتوافد على ميناء طنجة منذ بداية عطلة الصيف, وفود عديدة من أفراد الجالية المغربية بالخارج, لقضاء عطلتهم الصيفية في أحضان الوطن الأم, تاركة وراءها شجونها ومعاناتها في أسفل قعر البحر, مستقبلة بذلك حنين العودة وحرارة اللقاء بالأحباب والأصدقاء الذي طالما انتظرته بشغف طيلة السنة, بالرغم من الهوة التي يعيشها أبناء الجيل الثالث المزدوجي الثقافات والجنسيات. لكن رغم وفائهم للوطن من خلال المواظبة على زيارته كل سنة تطرح في ذهن المهتم منا العديد من الأسئلة التي يمكن إجمالها في:إلى أي وطن وأي لغة يحس هؤلاء بالانتماء ؟ وكيف يعيشون العلاقة مع المغرب وطنهم الأصلي الذي لم يعرفوه إلا في الإجازات ولا ينطقون لغته إلا بمشقة الأنفس, رغم أنه يلتصق بجلودهم وسحناتهم ؟ وما هي العراقيل التي تعترض عطلتهم الصيفية القصيرة ؟

تقول كهينة أوهارون ذات العقد 15 "بحكم انتمائي إلى جذور مغربية, فانا أواظب على زيارة وطني كل سنة رغم الإختلاف الكبير والتباين الملاحظ في وجهات النظر والثقافات والمستويات, فأنا أجد ذاتي وكياني في أحضان عائلتي ووطني عكس فرنسا التي أعيش فيها غربة جامدة, إلى جانب المشاكل المتراكمة التي ترجع إلى العنصرية والإحتقار والأكثر من ذلك عدم احترام ديانة الآخر"الديانة الإسلامية" لذا فأنا أفكر حين إكمال دراستي بالعودة إلى أرض الوطن والتمتع بالإستقرار في أحضانه".

في حين أن سكينة العفير 17 ربيعا نجد أنها توازن بين وطنها الأصلي وفرنسا حيث تقول: "أحب فرنسا بلدي الثاني, لما تعرفه من تطور في جميع الميادين, و أحب أيضا وطني المغرب لما يحتويه من حنين للعائلة رغم أنه لا يوازي فرنسا لا من حيث الثقافة أو التعامل مع القضايا المطروحة في الشوارع, فمثلا الناس هنا لا يحترمون المارة تجد معظم الأعين مسلطة عليك كأضواء المشاهير, ما يثير غضبي في بعض الأحيان, كما أنه ينظر إلينا نحن أصحاب الجالية المغربية كمورد مالي يجب استنزافه في غضون شهر, لكن ومع ذلك فأنا أحب المغرب وأحاول دوما التعايش مع جوه وتقاليده التي تميزه عن جل البلدان الأخرى, بالرغم من صعوبة إتقاني للهجة العامية"

شهادات وأخرى, تبرز غربة ينفلت أبنائنا من قيودها التي شددت الخناق على حريتهم وحقهم في المطالبة بحقوقهم المفروض توفيرها لهم, أملا في إيجاد فضاء صاف وجو مليء بالحنان والروح الطيبة المفقودة في أوروبا بين سرعة عجلة الزمن التي تدوس على الأخضر واليابس وبين تطور العقليات والثقافات.

فهل سيجدون ذاتهم المفقودة في جذور وطنهم؟

وبهذا الخصوص يقول عبد السلام النعماني 32 سنة " صراحة لا يمكنني القول أنني أواجه أي مشكل في بلدي الأم, لأنه لن يوازي ما نلاقيه من مشاكل بالمهجر, فالناس هنا كرماء طيبوا القلب ما زالوا يحتفظون بالتقاليد والعادات التي لا يمكن الإستغناء عنها, على الرغم من أن المغرب لازال يعاني من سوء في التدبير, خاصة في الإدارات التي كانت وستضل تعتمد على اللامبالاة في أداء الوظيفة بشكل متقن, فنحن أبناء الجالية المغربية, نعاني دائما و باستمرار عند عودتنا إلى المغرب, من سوء الاستقبال, و نعامل أحيانا كغرباء أتوا فقط لقضاء عطلة الصيف ويعودون أدراجهم من حيث أتوا".

ومن جهته يقول المهدي الصاحب 22 سنة أنه " بالرغم من أني حامل للجنسية الفرنسية ينظر إلي كأجنبي, وعندما أعود إلى المغرب الذي أعتبره وطني الأصلي وانتمائي الذاتي ينظر إلي أيضا كأجنبي, رغم أنني أتحدث اللغة العربية جيدا وأحاول التعايش مع الآخرين من خلال الإحتفاظ بالتقاليد والمواظبة على ممارسة الواجبات الدينية, لكن أظن أن كل من تحمل سيارته لوحة صفراء أو زرقاء اللون فهو أجنبي حتى ولو كان ذو أصول مغربية, وهكذا ينتقل منفاي معي أينما رحلت وارتحلت "

آراء متباينة ومشاكل مختلفة لكن المشترك بين هذا الجيل -الجيل الثالث- هو شغفهم غير المشروط وحبهم الأبدي للوطن وتمنياتهم في إيجاد وطن يعوظهم حنين الغربة.

samedi 26 mai 2007

المرأة المطلقة سفينة بلا ربان


"بعد مرور سنة كاملة من الزواج بشاب يقطن بكندا, تتوقف عقارب الساعة لتشهد على تتويج هذا الزواج بالطلاق" تستمر سناء التي تقف على أعتاب عامها 25 بنبرات ملئها الحزن ورأس مرخى كلما تعمقت في ذكر ماضيها" خرجت من هذه التجربة مطأطأة الرأس حاملة على كتفي اسما جديدا "مطلقة" اسم يهرب منه الكل, كما لو كان وباءا قاتلا أو مرضا يخشى الاقتراب منه"

عبارات حزينة ختامها أسئلة بريئة لكنها مدمية للقلب, لماذا يقع اللوم على المرأة عند الطلاق؟ لماذا تصبح المطلقة مسلوبة الحقوق والإرادة والخصوصية؟ لماذا تشعر بنبرات اللوم والعتاب ممن حولها؟

أسئلة جعلت دماء سناء تبكي في شرايينها قبل أن تبكي دموعها في عينيها, تبكي في الباطن والظاهر, تزفر آهات وتسقط عبرات, لعل أحدا يحن عليها بجواب يساعدها في محو لقبها الجديد"الطلاق" المجبرة على تحمله, و الذي يحمل في طياته وابلا من طلقات الرصاص المعنوي التي لا تضل طريقها إلى قلب المطلقة, ونادرا ما تنجو أي سيدة تعرضت للاغتيال بهذه الرصاصات من الوقوف ثانية و بسرعة, لأن جراح القلب من الصعب اندمالها, أوحتى إخفاء آثارها مهما اجتهدت في إجراء عمليات التجميل, فهي إن نسيت الفشل في العلاقة الزوجية الذي قد لا تكون المسئولة عنه فسيظل المجتمع يكبلها ويحملها الثمن مدى الحياة.

المطلقة عبئ اجتماعي

تقول عائشة ذات 65" سنة ربة بيت": "فتيات اليوم لسن قادرات على المثابرة من أجل بناء عش يأويهن, فهن ينهزمن أمام أول عائق يصادفهن ليعدن إلى بيوت آبائهن حاملين حقائب مليئة بالجراح والآلام والدموع" لتتابع بنبرات ملئها الافتخار"ماشي فحالنا حنا كنا كنتحملوا الحلو والمر باش نحافظوا على رجالتنا أو مانشتوش العش اللي بنينا", أما حسن الوادي الذي يقف على أعتاب عامه 75 سنة يرفض فكرة الطلاق نهائيا خاصة إذا تعلق الأمر بإحدى بناته حيث يقول: "لم تتجرأ ابنة في عائلتي على طلب الطلاق, كما أني لن أسمح بذلك مع بناتي" و بحركات من عكازه الخشبي يستمر مستطردا في القول" إيوا صافي هاد شي لي بقى غي تغضب ليا وتهز ولادها عندي أوطيل أنا هنا؟ "عبارات تطل على واقع قاس ومؤسف, واقع لا يمكن لأحد ملامسته أو التعرف عليه إلا من تجرع لدغة الطلاق.

صراع المطلقة والمجتمع

وبخصوص نظرة المجتمع للمرأة المطلقة تقول خديجة سنة 26"موظفة بإحدى شركات الإنتاج": ''صراع المطلقة والمجتمع أصل له جذور, فمنذ أن فتحت عيناي وهما يتقمصان دور القط والفأر, فبطلاق المرأة تصبح عرضة لأطماع الناس, ومتهمة بالانحرافات الأخلاقية خاصة وأنها تكون مجبرة على توفير مصاريف العيش لها ولأولادها", وفي نفس الصدد تقول حكيمة عفار ذات 40" سنة ربة بيت لم يسبق لها الزواج": " المرأة المطلقة سواء كانت مذنبة أم لا, فالمجتمع العربي دائما ينظر لها بدونية واحتقار كما أنه يحملها فشل زواجها, إضافة إلى نظرات الريبة والشك في تصرفاتها وسلوكها كما لو أنهم يقولون لها كفي فليس لكي الحق في فرصة ثانية" لتضيف بسخرية " مع العلم أن معظم الرجال في مجتمعنا غير مستعدين من الزواج بامرأة فشلت في تجربة سابقة".

إذن حكيمة عفار ترى أن الرجل العربي غير مستعد لخوض تجربة زواج رفقة امرأة سبقته في ذلك, لكن هل يمكن أن تصدق هذه النظرية؟

يقول محمد الوافي "مسؤول تقني يبلغ من العمر 30 سنة" وملامح الثقة بنفسه تزين وجهه:" صراحة فكرة زواجي بسيدة مطلقة فكرة مرفوضة من الأساس, فالمرأة المطلقة تبقى دائما أسيرة الماضي الذي يشمل مشاكلها مع زوجها السابق وأسباب طلاقها منه, إضافة إلى أن عائلتي لن تبارك هذا الزواج, بحكم التقاليد والأعراف التي تقول على الشاب أن يرتبط بمثيلته"

عالم جديد وحقيقة مفروضة تلمسها كل امرأة مطلقة من مجتمع كانت تأمل فيه خيرا, تمنت في أن يساعدها على ترميم جراحها, وتسديد فاتورة باهظة للزمن الذي أقفل أبوابه في وجهها, تمنت أن يدفعها للسير قدما من أجل الحصول على حياة جديدة, لكن واقعها الجديد فرض عليها الفوز أولا بصك الغفران لجريمة هي ضحيتها.

الطلاق الناجح.

ترى الدكتورة سمية نعمان أستاذة علم الاجتماع بكلية "الآداب بن مسيك" بالدار البيضاء أن العديد من النساء نجحن في الفوز بهذا الصك حيث تقول " لم تعد المرأة المطلقة اليوم هي تلك المرأة المنهزمة والمذلولة سابقا, وهذا راجع إلى التطور الذي طال وضعيتها وحسن دورها في المجتمع, حيث أصبحت لها استقلالية أكبر وحرية في التفكير, مما يجعلها لا تنهزم أمام عواصف ضعيفة كالطلاق" مضيفة القول " والدليل على ذلك أن معظم المطلقات حاليا أعدن بناء حياتهن بشكل أحسن من السابق مستفيدات في ذلك من تجاربهن السابقة "

نعم لا ننكر أن هنالك نساء استطعن مواجهة شبح الطلاق, والتصدي لهوج الرياح كي لا تتحطم السفينة بسبب استقالة الربان من مهامه, وفي هذا الشأن تقول عائشة "45سنة" مهاجرة بالديار الفرنسية "لا أنكر أن طلاقي كان كصفعة مدوية تركت أثرها لمدة طويلة في حياتي, لكن وبفضل عائلتي وابنتي الوحيدة استطعت أن أجعل من هذه الصفعة قوة تساعدني على إتمام حياتي, وهاأنذا أعيش بفرنسا مع زوجي الثاني وفي نفس الوقت أشتغل لأعيل أسرتي وابنتي في المغرب وأوفر لها حياة رغيدة ما كان لأبيها أن يوفرها لها ".