jeudi 26 février 2009

معاناة صامتة أبطالها أطفال الأطلس

كل من يقطن بالمدن الكبرى أو ينتمي إلى المناطق الحضارية, لن يتبادر إلى ذهنه أنه على نفس الأرض التي يعيش فوق ترابها, هناك أطفال على غرار الذين يقابلهم كل يوم, أطفال لا يعرفون معنى الملاهي...ماكدونالدز...البلاي ستايشن...الانترنيت...المثلجات...

لأنه و ببساطة, فأطفال بلدة تونفيت الرابضة بين جبل المعسكر جنوبا, و جبل القرص شمالا بالأطلس الكبير, لا يعرفون سوى هاته الجبال, التي تشكل حاجزا يعزلهم عن العالم الخارجي. جبال تمنع منطقتهم من التوفر على البنى التحتية, و المرافق اللازمة, ليعيشوا سنهم مثلهم مثل الآخرين.

لكنهم يعرفون طريقا واحدا, و هو الطريق الرابطة بين المنزل و المدرسة, هذه الأخيرة التي تعتبر على الأقل المتنفس الوحيد لهم, لتغيير الروتين اليومي, رغم أنها لا ترقى للتطلعات.

"والأستاذ ماكافيهش ظهورنا اللي تقسمو بالكتوبا الكثار, زادنا حتى الحطب اللي إجباري نجيبوه معانا"

كلمات انسحبت بحسرة و تلقائية غير مقصودة من شفاه جافة و مشققة جراء الصقيع, لصبي في ربيعه الثامن يدعى الغالي, و الذي تقوس ظهره في ريعان صباه و أصبحت يداه خشنة بلمس و حمل الحطب, و كأن علامات الشيخوخة بدأت تطرق بابه.

صوب "مدرسة تونفيت 2 " القابعة فوق هضبة تابعة لجبال الأطلس, تلمح الأطفال يسارعون بخطوات تثقلها رزمة الكتب المحملة على ظهورهم, و أعواد الحطب المجبرين على حملها لتدفئتهم, هذه المدرسة التي يتبادر إلى ذهن كل من يراها أنها خرابة من مخلفات زمن الاستعمار, بجدرانها المتشققة, و سقفها الآيل للسقوط, و مراحيضها التي لم يبقى منها سوى الاسم, ناهيك عن غياب شيء إسمه النظافة.

يقول محمد ذو 10 سنوات, بمرارة محزنة تثير الاستغراب إذا ما قارناها بصغر سنه و قصر قامته" نحن لا ندرس بمؤسسة تعليمية بل بزريبة, تنبعث منها روائح تزكم الأنوف, و كأننا قطيع غنم ليس من حقه الاعتراض"

لم تتوان عينا محمد عن فضح معاناته و رفاقه, الذين همهم الوحيد هو أن تتوفر لهم أدنى وسائل العيش و الدراسة.

هناك, في زاوية القسم, و بجانب السبورة, احتلت آلة التدفئة مكان مكتب المعلم, ولم تترك سوى كرسي خشبي يجلس عليه إذا ما تعب, و رماد, و حجر, و ألواح خشبية, هذه الأخيرة التي يصر المدير دائما على التلاميذ أن يجلبوها معهم للتدفئة.

و في هذا الصدد يقول النصري الحبيب مدير"مدرسة تونفيت 2" "المدرسة تتوفر على بنيات تحتية مهترئة, و يظهر ذلك خاصة في فصل الشتاء حيث لا تتوفر لنا وسائل التدفئة مما يجعلنا نجبر الأطفال على جلب الحطب معهم, كما أن المدرسة لا تتوفر على ملعب لممارسة الرياضة مع العلم أن مساحتها كبيرة "

و يضيف القول بأسى "هذه السنة تفاجئنا في وقت مبكر من النهار بتساقطات ثلجية كثيفة, و موجة برد قارس لم نشهدها من قبل, الأمر الذي أرعب التلاميذ, اللذين يفضلون عدم الالتحاق بالمدرسة في مثل هذه الظروف خاصة إذا تعلق الأمر بالفتيات, التساقطات الثلجية ترغمنا غالبا على تغيير برمجة الاستعمال الزمني حماية للأطفال و الأساتذة"

الهدر المدرسي, و انعدام البنيات التحتية لفضاء يشجع على الدراسة, ليست المشاكل الوحيدة التي يعانيها أطفال منطقة تونفيت, لأن الملاحظ عند التحدث مع الأطفال هو خجل كلماتهم من اختراق أسنانهم المرتعشة بالبرد, و شفاههم الجافة بفعل الصقيع الطاغي على المنطقة.

و رغم أطرافهم المتجمدة, و جسمهم الشبه عار, و معاناتهم السعال و الزكام, إلا أنهم يستقبلون ضيوفهم من وراء أسوار منازلهم الطينية, بابتسامة بريئة تجعلك تضن أنهم في قمة المرح.

أمام أحد المنازل يلعب نبيل البالغ من العمر 12 سنة رفقة أصدقائه من أولاد الجيران, يضحكون...يدفعون بعضهم البعض... يلعبون الكرة, بعضهم حفاة و البعض الآخر منتعل أحذية بلاستيكية بدون جوارب, أحذية تستقبل صفعات البرد بصدر رحب... يركضون صوب المجهول... في حين أن بساط الثلج ينتظرهم بشغف ليصنعوا منه رجل الثلج المعفى من البحث عن الحطب و الغير معني أيضا بالدراسة.

و في هذا الصدد يقول نبيل" نحن لا نحب الثلج لأنه يجعلنا نحتجز داخل بيوتنا, كما أنه يمنع آبائنا من جلب المؤونة" مستطردا القول " عند ما تتساقط الثلوج نعيش على الخبز و الشاي ونعاني البرد لأن الحطب يرتفع سعره ليصل إلة 100 درهم للرزمة "

الواضح أن رجل الثلج ضيف غير مرغوب فيه بين أطفال تونفيت, لينتقل بذلك اللون الأبيض من لون الحياة و الفرح لدى أطفال المدن الكبرى, إلى لون الكفن و الموت لدى أطفال جبال الأطلس, الذين لا يطلبون أكثر من رزمة حطب, وقفازات تجلب بعض الدفئ, و خبز و شاي للبقاء على قيد الحياة, تفاديا الالتحاق بإخوانهم الذين حصدهم الموت في "فاجعة أنفكو" و مناطق أخرى كتغدوين و أنمزي و ترجيس... هذه الفاجعة التي إلى حدود الساعة حصيلتها الرسمية لزالت حبيسة التكتم, حيث أعلن فقط عن تجاوز الضحايا ل 35 طفلا و رضيعا سنة 2007.

Aucun commentaire: