
شباب في مقتبل العمر أعمارهم تتراوح بين14 و30 سنة, مجتمعين في مكان واحد لهدف واحد, كلهم يسبحون في بحر الانترنيت الواسع, يضعون على رؤوسهم أجهزة استماع وتخاطب عن بعد, أيديهم جامدة على الفأرة المتحركة, وعيونهم جاحظة ثابتة على شاشات الحاسوب التي تعتبر أشبه بالنافذة التي يتطلعون من خلالها إلى عوالم بعيدة, يقطعون عبرها البحار والمحيطات دون احتياجهم لجواز سفر أو إذن بالمرور بحثا عن صديق أو عن النصف الآخر.
عند مدخل القاعة أو "السيبير نت" التابع لمقاطعة سيدي البرنوصي صادفنا فتاة شابة تبلغ من العمر 28 سنة تدعى لمياء, بررت اكتضاض القاعة وهي تدفع ثمن ثلاثة ساعات من المكوث أمام شاشة الانترنيت قائلة:"معظم المتواجدين هنا يتعاطون للدردشة, كل حسب رغباته فمنهم من يبحث عن التسلية ومنهم من تبحث عن الزوج المفترض والأقلية منهم يبحث عن أصدقاء حقيقيين من جنسه يدردش معهم في مواضيع مهمة" مضيفة:"الوحدة هي اللي دبر على راسها قبل ما يفوتها التران" لتوضح فيما بعد أن أغلب الفتيات اللواتي يتعاطين "للشات" يبحثن عن أزواج في وقت أصبحت فيه العنوسة تنخر جسم مجتمعنا المغربي.
تعمقنا أكثر فأكثر داخل "مقهى الانترنيت", حيث صادفنا البعض يهمس ويبتسم دون أن تكف أيديهم عن الرقن ومداعبة لوحة المفاتيح باستمرار.
قادنا الفضول نحو التطفل على إحدى الفتيات حيث كانت شبه عارية, تدعى أمينة تبلغ من العمر 24 سنة ترتاد السيبير منذ4 سنوات, وتعتبر إدمانها على"الشات" ناتج عن الفراغ الذي تعيش فيه حيث تقول بنبرات سريعة دالة على انشغالها الكثيف:"غادرت الدراسة مبكرا وبحكم أني لا أفعل شيئا في الحياة قررت أن أتسلى من خلال"الشات" الذي أصادف فيه شبابا من مختلف الأعمار والجنسيات, و بالرغم من أني أعرف أن جل كلامهم كذب وأن مبتغاهم هو البحث عن الشهوة الجنسية إلا أنني لا أستطيع التخلي عنه فهو أنيس وحدتي" مضيفة القول: "لن أمل حتى يحن علينا الله بشي راجل".
من الملاحظ أن معظم الشابات يجدن موضوع البحث عن الزوج المفترض في توظيف الانترنيت أمرا لا ضرر فيه بل ذا فائدة، خاصة للواتي تجاوزهن قطار الزواج أو اللواتي لم ينصفهن الحظ في فتح بيت وحمل صفة متزوجة, حيث اعتبرت خديجة 23سنة أن سلك هذه الطريقة في البحث عن الزواج أو الأصدقاء لم تعد مصدر خجل أو إحراج, قائلة " الشات أسلوب جديد أضحى استعماله مع التطور التكنولوجي مقبولا, ففي وقت سابق على دخول الانترنيت إلى المغرب ويسر استعمالها لدى أغلب الأشخاص, كانت عروض الزواج والتعارف تدور في دوائر ضيقة إذ كانت تبرمج الطلبات على صفحات الجرائد والمجلات لتحتل بعد ذلك مساحات أوسع عبر شبكة الانترنيت"
انتقلنا من العنصر النسوي توجها إلى الذكوري, لمعرفة ما إذا كان البحث عن زوجة عبر الانترنيت يثير اهتمام الذكور كما الإناث, على اعتبار أنهن أكثر تشبثا بمطلب الزواج, تحدثنا مع شاب جامعي في السنة الثانية حيث عبر لنا عن رغبته في العثور على زوجة أوروبية أو أمريكية, مضيفا القول:"صراحة جل حلمي هو الهجرة إلى الضفة الأخرى للبحث عن عمل محترم والزواج بامرأة ذات أفكار متقدمة " مستطردا " أرفض أن أنضاف إلى طابور المعطلين ابتداءا من السنة المقبلة بعد حصولي على الإجازة"
أما بالنسبة لمحمد 18سنة لا يجمعه ب "النت"سوى البحوث واستطلاع الجديد من المواقع الأدبية, يقول:"بحكم انتقالي إلى مرحلة التعليم العالي وتوجهي لشعبة الأدب العربي لابد لي من الاضطلاع على الجديد والقديم في الأدب, لأن النت يأتينا بمواضيع مختزلة عكس الكتب " أما عن "الشات" فيقول" أعتبره سلاح ذو حدين وعلى الشباب توخي الحذر منه واختيار الحد الايجابي وليس السلبي".
توجهنا بعد ذلك إلى نور الدين 30سنة وهو المشرف على "السيبير" حيث قال في هذا الشأن " من خلال عملي هنا ألاحظ أن الشباب كثيرا ما يقعون في الشرك الذي نصب لهم عن طريق "الشات", إذ الهدف الأساسي الذي يركضون وراءه هو التحدث مع الجنس الآخر, للتعبير عن غليان مشاعر مزيفة, والداهية العظمى أن المواقع الإباحية على شبكة الانترنيت أصبحت تتزايد بشكل مخيف في الآونة الأخيرة حيث وصل عددها إلى 2.4 مليون موقع بنسبة 12في المائة من إجمالي عدد مواقع الانترنيت" واستطرد قائلا "إن الانترنيت وسيلة جميلة جدا ومفيدة لمن يستخدمها خير استخدام", ويوجه المشرف نور الدين أصابع الاتهام إلى الأبوين كونهما يهملان أبناءهما وبناتهما خاصة خلال العطلة, حيث نجد معظم الشباب يقضون "ليالي بيضاء" في الشات داخل "السيبير نت" لأن السعر ينخفض بالمساء إلى حدود الصباح.
ورغم تضارب الآراء في سبب استعمال الإنترنت, إلا أن العودة دائما تكون من نصيب الأصل, فمهما تطورت سبل البحث عن المعلومة وانجراف البعض وراءها, فإنك تجد آخرين متشبثين بالكتاب وقيمته, ومهما فضل البعض السبل الحديثة في البحث عن شريك الحياة ففي الأخير تجدهم يعودون للتقاليد والعادات المتعارف عليها.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire