vendredi 18 mai 2007

أحلام محطمة

طوال سنوات الدراسة الثانوية يحمل الطلاب حقائبهم المدرسية مملوءة بالكتب والدفاتر, ملفوفين وسط ثوب أبيض للفتيات وأزرق داكن للفتيان, يتحركون بنشاطهم الدراسي الاعتيادي وباجتهاد على أمل الانتقال إلى مرحلة البحث العلمي والأكاديمي, وبعد 12 سنة من الرهبة والترقب وامتحانات الحفظ الغبي تتحقق أمنيتهم بدخول الجامعة التي لطالما حلموا بولوج عالمها المنفتح, فهل يجد طلاب اليوم ضالتهم في العلم والمعرفة في جامعاتنا, أم أنها مدارس أخرى لكن أكبر حجما؟

أسئلة وأخرى لم نجد الإجابة عنها إلا في أحضان جامعة الحسن الثاني بالمحمدية, هذه الأخيرة التي تعطي لزوارها الجدد انطباعا بحسن تنظيمها وتسييرها, لكن أول ما يحصل الطلاب على استعمال الزمن الدراسي يبدؤون بإدراك المفاجآت المتوارية, وأولها أن الجامعة لا تعترف بشيء اسمه التنظيم الزمني للمواد أو المحاضرات, وفي هذا الصدد تقول غزلان "19 سنة, أولى علوم اقتصادية" بعبارات حانقة: "الأساتذة هنا لا يهتمون لتوقيت المحاضرة فإذا كانت مدونة في استعمال الزمن على أنها ستبدأ في التاسعة صباحا, فعليك أن تدرك أن الأستاذ كان يقصد العاشرة أو العشرة والنصف", لا بأس أن ينتظر الطلاب ساعة من الزمن لطلب العلم فهي فرصة لمراجعة الدروس قبل بداية المحاضرة أو للإفطار للذين لم يتسن لهم ذلك, لكن المصيبة الكبرى هي إذا لم يأت الأستاذ ما موقف الطلاب من ذلك؟

تقول شروق "24 سنة, ثانية حقوق" بنبرات سريعة لأنها كانت منهمكة في تناول وجبة الإفطار قبل بداية وقت المحاضرة:"منذ ولوجي الجامعة لم أر أساتذة بعض المواد إلا مرتين أو ثلاث في الدورة, أول مرة كانت الحصة عبارة عن تعارف بيننا ثم تلتها محاضرة ثانية عن الدروس الممنهجة خلال هذه السنة" توقفت شروق قليلا و بسخرية يتخللها الهدوء تابعت الحوار " آخر محاضرة كانت عبارة عن نصيحة إن لم نقل إجبارا على شراء بعض الكتب التي تخص الأساتذة, وتحتوي على محاضرات للمواد وبعدها كان الوداع بيننا والملتقى أثناء امتحانات الدورة مع التذكير على عدم نسخ الكتاب أو نقله يدويا لأنه على كل طالب إحضار الكتاب أثناء الامتحان و إلا فليعتبر نفسه مقصيا منه" مشيرة إلى أن كل كتاب لا يقل ثمنه عن 100درهم.

لكن أستاذ القانون العام عبد الوحيد شعير حاول تبرير ذلك رغم التو ثر الملحوظ الذي كان باديا عيله من خلال إمساكه للقلم, حيث يقول"صحيح أن هناك بعض الأساتذة الذين يتغيبون بشكل ملحوظ, لكن توجد أسباب لذلك فكل منهم ملتزم بعمله خارج الجامعة" ليتابع بحماس" لكن هذا لا يعني أنهم لا يواكبون محاضرات الطلبة, بل على العكس فالطلبة يتوصلون بالمحاضرات في كتاب ممنهج يسهر الأساتذة على إنجازه".

تركته يتلعثم وسط أعذاره التي لا تشفي الغليل لأصطدم بشجار لا بل صراع بين أستاذين جامعين لعب الشيطان بهما كما شاء, بداية بألفاظ سيئة تخجل الآذان سماعها, مرورا بالشجار بالزرواط و وقوفا بحبس أحدها في مكتبه والإقفال عليه بالمفتاح, بغية تهدئة بركان الغضب الذي حرقت شراراته آمال الطلبة, تجرأت وسألت إحدى الموظفات بإدارة الجامعة عن السبب في الشجار" صراحة لا نعرف السبب لكن دائما نواجه مشاكل عديدة مع الأستاذ الذي أقفلنا عليه المكتب بسبب سكره الشبه دائم".

بعد انخماد البركان وكل عاد إلى مكانه توجهت صوب الطلبة للاستفسار عن المتهم الثاني الذي لم تثبت براءته على الإطلاق بالنسبة للطلاب, وهو نظام الامتحانات الفصلي حيث يقول سمير "21 سنة, طالب أولى حقوق":"نظام الامتحانات الفصلي لا يفتح المجال أمامنا للإبداع أو حتى التفكير, وإنما يحرضنا على الحفظ وتخزين المعلومات فقط, لذلك اعتدنا على أسئلة كل أستاذ إذ أن جميعها تدور حول فلك واحد وهو عدد, اشرح, عرف, تحدث...الخ, حتى أننا اعتدنا على طريقة التصحيح ومدى نجاحنا في هذه المادة أو تلك", ويضيف عادل 22 سنة "لطالما حلمت أثناء دراستي بالمراحل السابقة بالانفلات بسرعة البرق من سيطرة الأستاذ والمراجع المملة أملا في إيجاد مناهج متفتحة تساعدني على استعمال بديهتي في الجامعة, تمنيت ذاك الأستاذ الذي نتبادل وإياه الآراء والانتقادات لكن جل أحلامي تلاشت ومعارفي تكلست بعدما وطأت قدماي هذا العالم الخجول".

شباب أحلامهم أصيبت بخيبة أمل كبيرة, منفذهم الوحيد لعالم المعرفة تصدى لهم بجدران عالية, لم يجدوا في هذا العالم المنفتح ما نسجوه في أحلامهم الصغيرة, شباب لم يطلب المستحيل سوى أساتذة مؤهلين لهم ظمير يراعون احترامه, لم يطلبوا سوى مناهج تنمي أفكارهم لا لتكلس معارفهم, طلبوا مناخا وجوا يدفعهم ويحثهم على المثابرة في طلب العلم لا لتعجيزهم, كلها أسباب وعوامل جعلت طلاب هذه الجامعة يأتون من جل أنحاء الدار البيضاء والمحمدية مستقلين أكثر من حافلة صوب الجامعة لا للدراسة, وإنما للاتجاه صوب البحر الواسع لرمي أحلامهم اللامتناهية فيه عله يحقق ولو جزءا منها أو يستبدلها بحلم تربع على معظم رؤوس شبابنا الصغير ألا وهو الهجرة للضفة الأخرى.

Aucun commentaire: